قالب سكر: ذكريات الطفولة وأحلام البراءة

قالب سكر: ذكريات الطفولة وأحلام البراءة
قصص من السيرة الذاتية

قالب سكر: ذكريات الطفولة وأحلام البراءة

في قصة "ذكريات الطفولة وأحلام البراءة"، كانت الأحلام تتسع لعوالم سحرية من البراءة واللعب. "قالب السكر" كان في عيني الصغيرتين كنزًا يتربع على عرش خيالي، أحاول تسلقه والاستحواذ عليه، لكنني كنت أكتفي بتذوق حلاوته. بينما غفوت مستلقية بجانبه، كان العالم من حولي يغرق في قلقٍ وحيرة. لحظات من الخوف والدهشة، انتهت بابتسامات ودموع فرح، لتحفر تلك الذكرى في ذاكرتي كأحد أجمل فصول طفولتي.كنا صغارًا، وكنا نعيش في عالم من البراءة، نأكل ونلعب ونمرح دون أن نعبأ بهموم الوالدين أو مشاغل الحياة من حولنا. كانت أحلامنا صغيرة، بحجم أجسادنا، وكان الحاضر والمستقبل سجينيّ جدران رضاعتي اللذيذة وفرشتي الوثيرة. في ذلك الزمن، لم يكن هناك مكان في ذاكرتي لخيبة الأمل أو الهموم.

في أحد الأيام، وفي سن فقد فيه الزمان والمكان وزنهما عندي، كانت السماء تبتسم بألوانها الزاهية، وكنت أنا أستمتع بلعبة جديدة، حينها لمحت شيئًا لامعًا يلمع تحت سرير أمي. كان ذلك هو "قالب السكر"، الذي كان يبدو لي في ذلك الوقت كنزًا لا يقدر بثمن.

أحبوتُ حتى وصلت إلى القالب، ورفعت رأسي الصغير لأراه في قمته. كان يبدو لي كهرم شامخ في عليائه، وصعدت بفكري الصغير إلى فكرة تسلقه. لكنني، مهما حاولت، لم أستطع. عبثًا حاولت أن أعتليه، لكن عجزت.

بدلاً من ذلك، حضنت القالب بحبي وطفقت ألحسه كما أفعل مع كل ما تلمسه يدي. كان طعم السكر حلوًا ورائعًا، ورغم أنني علمت في قرارة نفسي أنه ليس للعب، لم أستطع مقاومة رغبتي في الاستمتاع به. شعرت بالشبع، وداعب النوم جفوني فتوستدت القالب، وغطّيت في نوم عميق.

مرت فترة، وانتهت أمي من أشغالها خارج الغرفة، ثم عادت لتتفقدني. لكن لم تجدني. بدأ القلق يسيطر عليها، وهرعت إلى الشارع تصرخ بصوت يملؤه الخوف: "النجدة! أغيثوني، لا أجد ابنتي!"

ظن البعض أنني قد خُطفت، أو أنني سقطت في بئر الحي الذي كان مساويًا للأرض. لم أكن أدرك أنني قد تسبب في قلقٍ كبير. حملت أمي مصباحها الزيتي وخرجت مع والدي إلى البئر، وبدأ الأهل والجيران يتفرقون في الأزقة، كل يبحث في مكان.

كان الوقت ليلاً والقمر بدراً، وكلما لمحت كيس قمامة على حافة منزل، حسبته جثتي الهامدة. استمر الوضع على هذا النحو قرابة الساعتين، والأصوات تتعالى في الفضاء المظلم. صرخت أمي مرارًا: "لا أجد ابنتي، أيها الناس، هل منكم من يمكنه النزول إلى البئر؟"

نزل عمي عبد القادر، الذي اعتاد النزول إلى البئر كلما تصارع الثيران وسقط أحدهم في القاع. كانت أمي تستعجله بصراخها الذي ينم عن كبد ملتهبة، تسأله: "هل وجدت شيئًا؟"

لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجئًا. جر الرجال الحبل وأخرجوا عمي عبد القادر، وقد عاد إليهم خاوي الوفاض. عادت أمي منهارة، ويأسٌ يملأ قلبها، وبدأت تصرخ: "لقد ضاعت ابنتي! لقد ضاعت ابنتي!" ودخلت غرفتها، تعلوها الخيبة.

تجمعت أصوات الحضور، وتعالى بكاء أفراد العائلة، وكان ذلك الضجيج ينفذ إلى قلبي البريء. أفزعني الضجيج، فأفقت باكية، واختلط بكائي ببكاء الأقرباء والجيران.

صرخت أمي في الجمع: "اسكتوا! أليس هذا صوت مليكة؟" اعتقد الجمع أنها مجرد هلوسات تطرق باب مخيلتهم، لكن والدي هرول نحو مصدر الصوت، تبعه الجميع. وإذا بهم يجدونني أتوسد قالب السكر تحت سرير أمي، أستمتع بنومي دون أي علم بما يحدث حولي.

تعالت الضحكات، وأنا أنظر إلى تلك الوجوه المبتسمة، حتى في غمرة فزعي، بدأت أضحك أيضًا. لقد كانت لحظة غريبة، تجمع بين الفرح والدهشة، حيث أدرك الجميع أنني لم أكن في خطر، بل كنت في عالم من السعادة البسيطة، مع قالب السكر الذي أصبح رمزًا لتلك الطفولة البريئة.

هكذا انتهت تلك الحادثة، وترسخت في ذاكرتي، كواحدة من أجمل لحظات الطفولة، حيث يتداخل الخوف والفرح في قصة واحدة. من يومها، أصبحت أمي تتأكد دومًا من أنني بعيدًا عن السرير، لكنها لم تكن تدرك أنني كنت أبحث عن مغامرة جديدة، في عالم مليء بالأحلام البرئية والأشياء السحرية.


تعليقات