شيماء والرعد: قصة طفولة مليئة بالشجاعة والإلهام
ابنتي شيماء، طفلة مرحة، البسمة دائمًا تعلو محياها. تميزها روح الدعابة وحس النكتة، مما يجعلها محور سعادة الأسرة. لكن، في يوم ممطر، وبينما هي عائدة من المدرسة، أبرقت السماء وأرعدت. كان ذلك اليوم مشهودًا بالنسبة لنا.
دخلت شيماء المنزل، وقد علا وجهها شحوب وأصيبت بتعتعة. تأملت في شكواها، وبدا أنها أصيبت برهاب الظواهر الطبيعية في سن مبكرة. أوت إلى غرفتها، ترتعد، وتصم أذنيها بيديها الصغيرتين. كانت تصرخ وتبكي، تسألني أن أحضنها، خوفًا من أن يتوقف قلبها. بعد جهد جهيد، نامت الصغيرة.
في الصباح، فتحت عيونها الجميلة، وكأنها لم تكن نائمة في خضم تلك العواصف. أطلقت لها العنان لتجول في أرجاء الغرفة، لكنها كانت تتحسس صوت الرعد من بعيد. جلست قربها، داعبت شعرها، وحثثتها على النهوض. لكن شيماء رفضت الذهاب إلى المدرسة وحدها، فصاحبتها.
عندما غادرت المدرسة، كانت مهرولة، لا تلقي بالا لموطئ قدم، حتى تسقط أرضًا بين الحين والآخر. أصبحت تعيش حبيسة حواسها، تتحسس موضع قلبها، تحسب دقاته المتسارعة. كانت تحدق بأطرافها التي اعترتها رعشة، وتمسك بثيابي، مخافة أن أتركها.
انتهى فصل الشتاء، وكست الأرض حلة بهيجة، وعادت شيماء لتصبح محور الأسرة من جديد. انتهت السنة الدراسية، وقررنا إدخال البهجة على قلبها وطي صفحة سنة أليمة. سافرنا إلى مدينة ساحلية، حيث كانت حرة طليقة بين الرمال الذهبية ومياه البحر الزرقاء. كانت تأكل ما لذ وطاب من مثلجات ومشروبات، وكم قصورًا رملية شيدت، وكم أتحفتنا بحس الفكاهة ذاك.
جاء الدخول المدرسي، وذهبت شيماء دون أن تلقي بالا لشيء، وكنا نراقب سلوكها عن بعد. لكن هطلت زخات مطر، فبادرت بالسؤال: "هل سيعود الفصل الماطر من جديد؟" تذكرت مرارة الأيام السابقة، وأجبتها: "نعم، سيعود." طأطأت شيماء رأسها وجلست، بعد أن كانت واقفة، دست وجهها في كفها، وركزت بصرها على موطئ قدمها.
علت وجهي بسمة ذابلة منبعها الإحساس ببداية المعاناة من جديد. استمر الحال على ما هو عليه لسنتين كاملتين. كانت تتخلف عن المدرسة بين الفينة والأخرى، وضعف تحصيلها الدراسي. ومع ذلك، لم تستطع التغلب على رهابها.
ضاقت بنا الأرض بما رحبت، واعترانا الخوف مما سيؤول إليه حال الطفلة. لكننا احتسبنا الأمر لله. في يوم من الأيام، جلست أقرأ القرآن. جاءت شيماء كعادتها وجلست في حضني. بينما أقرأ، توقفت عند قوله تعالى: "ويسبح الرعد بحمده..." فقلت لها: "أرايتِ، يا شيماء، إن الرعد الذي يرهبك هو مخلوق مثلي ومثلك."
سألت بفضول: "وهل يمشي حافيًا وتضربه أمه؟" أجبت: "لا، يا بنتي، إنه مخلوق نسمع صوته ولا نراه." قالت مبتسمة: "لماذا، هل يلبس طاقية الإخفاء؟" ضحكت من براءتها وقلت: "خلق الله المخلوقات، فمنها ما نرى، كالإنسان، ومنها ما لا تقوى حواسنا على إدراكه، كالرعد والريح والحرارة والملائكة. فهذه المخلوقات نحس أثرها ولا نراها، فسبحان الله!"
سألتها: "وهل الرعد يسبح كما تفعلين عقب الصلاة؟" أجبت: "إن الصوت الذي يرعبك هو صوت تسبيح الرعد، فهل دوي الرعد يخيفك حتى وإن كان مجرد تسبيح لله بطريقة مختلفة عن طريقة أمك؟"
فجأة، بدأت شيماء تضحك وتقول: "يالغبائي، كيف أخاف صوت الرعد؟ إنه مجرد تسبيح!" هرعت شيماء إلى الشارع تلعب مع صديقات الحي تحت زخات المطر، وهي تردد قوله تعالى: "ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته."
بهذه الطريقة، استطاعت شيماء أن تتجاوز خوفها، واكتشفت أن الرعد ليس إلا تسبيحًا، وأن الله موجود في كل شيء حولنا. ومع كل زخّة مطر، أصبح لديها ذكريات جديدة من المرح واللعب، بدلاً من الخوف.