![]() |
قصص من السيرة الذاتية |
في الستينات، كانت الألعاب بسيطة وأحياناً بدائية، لكن في أعيننا كنا نرى فيها عالمًا كاملاً. عرائس القصب كانت تلك الوسيلة المتاحة لنا نحن الفتيات. عرائس مصنوعة من قصب فقط، لكنها كانت تُشكل عالماً من الخيال والسعادة. كنا نصنعها بأيدينا الصغيرة ونزينها بالخيال، وكأنها أروع ما يمكن أن نمتلكه. كنت أراها جميلة في عيوننا، لا تتطلب أدوات فاخرة أو مواد غالية، فقط القصب، لكن هذا القصب كان يحمل في طياته ذكريات الطفولة البسيطة والبريئة.
أما عني، فقد شعرت بثورة داخلية، كأنني لا أريد الاكتفاء بتلك العرائس الصامتة. أردت شيئًا ينبض بالحياة، شيئا يحمل روح الطبيعة وحركتها. فتحت عيني على فراشات بيضاء رشيقة، كانت تتحرك بحرية وتملأ الهواء بخفة وبهجة. أحببت الفراشات لأنها بدت لي وكأنها عرائس من نوع آخر، لكن هذه العرائس كانت تنبض بالحياة، تطير في الهواء بحرية وجمال.
كنت أتبعهُنّ في كل مكان، أركض خلفهن في الحقول حافية القدمين، لا أبالي بالألم ولا بالسقوط. كنت أركض بين العشب، أحياناً أقع في حفرة صغيرة أو أتعثر، وأحياناً أخرى كنت أقذف الفراشات بحبات الفول الصغيرة التي لم تُجْنَ بعد من الحقول. لم أهتم بالأشواك التي كانت تلسع قدمي، ولا بحرارة الشمس التي كانت تضرب وجهي. كانت فراشاتي الناعمة تملأ عالمي بالفرح، وملمسها الرقيق كان يُخفف عني كل الآلام.
لكن تلك السعادة لم تدم طويلاً. ذات يوم، جاءني همسٌ من إحدى الصديقات، همس يحمل وعودًا كبيرة. قالت لي: "هل تعلمين؟ إذا دهنتِ طلاء هذه الفراشات على صدورنا الصغيرة، ستكبر صدورنا بسرعة. سنصبح راشدات، نتزوج وننجب الأطفال، ونلعب بهم بدلاً من العرائس والفراشات."
كانت تلك الفكرة مغرية جداً بالنسبة لي. كنا نرى الزواج والأمومة رمزًا للنضج والقدرة على التحكم في مصيرنا. كنا نؤمن أن في ذلك السحر، سيتغير كل شيء ونصبح مثل الكبار في لحظة واحدة. ولأننا كنّا نبحث عن النضج بسرعة، قررنا أنا وصديقتي القيام بذلك.
بدأنا نطارد الفراشات بيدينا، ليس للعب معها هذه المرة، ولكن من أجل غايتنا الكبيرة. قبضنا عليها بلهفة، نقتلها ظنًا منا أن طلائها يحمل السحر الذي سيجعلنا نكبر بين عشية وضحاها. كانت الفراشات رقيقة، مثل أحلامنا، لكننا لم نكن ندرك أننا كنا نزهق أرواحها البريئة.
وبعد كل تلك المحاولات، لم نكبر، لم تتحقق الأحلام كما كنا نظن. لم تصبح صدورنا كبيرة، ولم نُصبح راشدات كما أوهمنا خيال الطفولة. كل ما حصلنا عليه هو الفقدان. فقدنا فراشاتنا البريئة، تلك التي كانت تلون حياتنا بالفرح. أزهقنا أرواحها الطاهرة، ولم نحصل إلا على الحزن والندم.
فيا حسرتاه على فراشاتي! كم كانت تلك الفراشات جزءًا من سعادتي وبراءتي. كنا نلهو بها دون أن ندرك قيمتها الحقيقية، حتى أضعناها. ربما كانت تلك اللحظات الطيشة جزءًا من طفولتنا، لكن الآن، كلما تذكرتها، أشعر بقلبي يئن على فراشات لم تعد تطير في سماء حياتي.